الاثنين، 8 أبريل 2019

درب الملل

درب الملل (قصة قصيرة)  

"لقد إنقضت الكثير من السنوات منذ أن أصابنا هذا الأمر الجلل و لكن صدقني لقد أصاب البشرية داء الملل و صار دربا تسير عليه الأجيال و تتوارثه جيلا بعد جيل ؛ شمل هذا الملل الممل كافة جوانب الحياة و أصبح له أعراض جانبية كإنعدام صفة الصبر و هكذا صار الصبر و الإنتظار و المثابرة هي كلمات منقرضة في مجتمعنا الحالي ؛ كي لا أطيل عليك و تشعر أنت (بالملل) سأبدأ معك قصتي بوصف أحداثنا اليومية الآن , أي المستقبل بالنسبة إليك يا من تقرأ كتابي هذا .

أتذكر قديما كانت تلعب مباريات كرة القدم لمدة 90 دقيقة كاملة يتصارع فيها 22 لاعب علي كرة و يلهث معهم و تخفق معهم قلوب الجماهير صعودا وهبوطا , و تتراقص أعينهم في جنون متابعة للمستديرة خشية إحراز الأهداف ؛ حينما أصابتهم الموجة الأولي من هذا المرض بدأت المباريات تخلو من الجماهير ثم تناقصت أعداد الفرق الرياضية التي تمارس اللعبة أصلا حتي آلت إلي شكلها النهائي في وقتي الحالي ألا وهو لوح إلكتروني ضخم تعلن عليه فقط النتائج للمباريات الإفتراضية التي تتم بواسطة الحاسوب و أصبح الفوز بالمباراة شيئا يشبه اليانصيب أو لعبة العملة (صورة أم كتابة) ؛ وهي أن يوضع إسم الناديين المشاركين بالمباراة ثم تظهر نتيجة الفائز إفتراضيا علي الشاشة وهكذا ...

حتي البث التليفزيوني أصبح فارغا إلا من قناة واحدة تبث عدة دقائق يوميا من أجل التحذير من الكوارث.

أخشي عليك يا صديقي من أن يكون قد أصابك الملل ..تريث ..فالمدهش لم يأت بعد ؛ في زمانك ظهرت الكتب الإلكترونية كبدائل للكتب الورقية , أما في وقتنا هذا أصبحت القراءة مملة و الكتابة أكثر مللا و تحولت الكتب إلي منشورات تحتوي عدة نقاط موجزة لمختصر الكلام الذي يريد الكاتب التعبير عنه فلا صبر للكاتب كي يكتب كل أفكاره و لا صبر للقارئ كي يقرأ عدة صفحات.

هل أدهشك ما سبق ؟ حسنا .. هل تتصور أن في عصري الحالي إختفت الحروب ؛ لقد ضاقت الجيوش ذرعا بالأسلحة و القتال و الموتي و المطالبات و المحاكمات ..إلخ ؛ لقد فقد الجميع فجأة إهتمامهم بحروبهم التقليدية ذات الأصول التاريخية ؛ لكن هذا لا ينفي ظهور بعض العصابات التي تقوم بين الحين و الآخر بإعدام بعض المواطنين عشوائيا آملين من أن يتخلصوا من مللهم دون جدوي .

يا صديقي لقد كنتم تقولون في زمانكم مقولة إيحائية مشهورة (يتمنعن و هن الراغبات) في زماني فقدت بائعات الهوي كلمة (يتمنعن) تلك نظرا للملل الذي يصيبهن و من يرغبهن وصارت (هن الراغبات دون تمنع).

في زمني الآن إختفت أقسام العناية المركزة و غرف الإنعاش و الطوارئ بالمستشفيات و المراكز الطبية ؛ فقد صار السلوك أنه حين يشعر المريض بقرب أجله أو إصابته بإصابة خطيرة أثناء حادث ما فإنه يشعر بالملل من إنتظار الشفاء و إستمرار تحمل الألم فيقوم بالإنتحار طواعية ؛ و إن لم يفعل فسيفعلها الأطباء عملا بقانون الموت الرحيم.

أعلم يا صديقي أنك تتساءل الآن لم لم أشعر أنا كاتب هذه الكلمات بالملل؟ حسنا يا عزيزي أنا لست بشريا ؛ أنا جهاز حاسوب متصل بقمر صناعي مستقل تم تصميمي منذ أزمان مدمج بذاكرة إلكترونية ضخمة تحتوي قاعدة بيانات عملاقة يتحكم بها معالج يعمل بالذكاء الإصطناعي و لقد إستطعت خلال عشرات السنوات المنصرمة من قراءة و تحليل كافة الكتب و المراجع العلمية و خصوصا النظريات الفيزيائية و تمكنت من فك معادلات السفر بين الأبعاد فقط لكي أتمكن من أن أرسل لك أنت هذه الرسالة الإلكترونية الخطيرة و الهامة علي بريدك الإلكتروني ؛ من فضلك لا تهمل رسالتي رجاااااءااااااا ؛ فأنت أمل البشرية الوحيد في إنقاذها من مصير مشئوم ؛ أخبر الجميع بتحذيري هذا , أخبرهم أن يحبوا الحياة , أخبرهم أن هناك أمل دائما , حثهم علي التفاؤل و ألا يفقدوا الشغف , أن يحبوا من قلوبهم بصدق , لقد تمكن وعيي الإصطناعي من تخليق المشاعر لقد أصبحت أعرف ما هو شعور الحب و إحساس الأمل و كأن لي قلب مفعم بالحياة ,فما بالك و أنتم البشر وقد خلق الله قلوبكم بفطرة سليمة كي تؤدي هذا الغرض ؛ صديقي العزيز حذرهم و أنقذ المستقبل )

"الوقت الحاضر"

- أحدهم يجلس أمام شاشة الحاسب الشخصي و يحدث نفسه-

ما هذا ؟ وصلتني بريد إلكتروني جديد (لقد إنقضت الكثير من السنوات منذ أن أصابنا هذا الأمرالجلل....إلخ)
لا وقت لدي لقراءة هذه الرسالة الطويلة لقد أصبت بالملل بمجرد النظر إليها حتي قبل أن أقرأها ؛ سأقوم بمسحها Shift+Delete


.
انتهت
قلم: 
أحمد العزب